سورة النساء - تفسير التفسير القرآني للقرآن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4)}.
التفسير:
الصّدقات: جمع صدقة، وهى المهر.. لأنها من مادة الصّدق الذي يلزم به المرء نفسه، وينطق به عن اطمئنان ورضى.. والمهر يقدمه الرجل للمرأة عن رضى وطيب نفس.. ومنها الصّدقة التي يبذلها الإنسان في مجال الإحسان من غير إلزام.
والصدقة بضمّ الدال، والصّدقة بفتحها.
وفى استعمال الأولى في المهر، والثانية في التصدّق إعجاز من إعجاز القرآن! فالصدقة- بالضم- أثقل نطقا من الصّدقة بالفتح.
وكذلك هما على هذا الشأن، في مجال التطبيق العملي لهما.
فالمهر ثقيل في قدره، ومادته، قد يتكلف له المرء كثيرا من الجهد حتى يحصل عليه، وقد يقتطع له قدرا كبيرا من ماله، الذي هو بعض نفسه.. ومن هنا كان ثقله على النفس، ثم كان ثقله على اللسان! وليس كذلك الصّدقة، فإن محملها خفيف، يؤديها الإنسان عن سعة، ويجود بها من فضل ماله، فلا يكاد يحسّ بها.. {ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}.
فقد تكون الصدقة بشقّ تمرة، كما في الحديث الشريف: {تصدّقوا ولو بشقّ تمرة} وقد تكون بالكلمة الطيبة، كما في الحديث أيضا: {الكلمة الطيبة صدقة}.
والجامعة بين الصدقة (المهر) والصّدقة (الإحسان) أن كلّا منهما من باب البرّ والخير، وأنهما من موارد مرضاة اللّه ورضا الناس.
وقوله تعالى: {نِحْلَةً} أي فرضا وشريعة.
ولأن للرجال على النساء درجة، فقد أوجب اللّه على الرجال أن يقدّموا بين يدى المرأة عند طلب الزواج منها مهرا، تهيىء به نفسها، وتصلح به من شأنها قبل أن تجتمع إليه، وفى هذا ما يشعرها بمكانة الرجل منها. وأنه هو الذي سيحمل الجانب المادىّ عنها، في السعى للرزق والنفقة، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ} [34: النساء].
والمهر حقّ للزوجة، يجب أن يؤديه الرجل إليها، فإن هو صار إلى يدها ثم طابت له نفسها عن شيء منه، فذلك فضل منها، وليس على الرجل من بأس في أن يقبله، ويتصرف فيه كما يتصرف فيما يملك.
وأقل المهر أىّ مال يدخل الفرحة على المرأة وقد يجزى عن المال العمل، كما زوّج شعيب ابنته من موسى، بالخدمة عنده سنوات معدودات.
ولا حدّ لأكثره، حسب يسار الرجل وقدرته.. إنه باب من أبواب الإحسان، ومسلك من مسالك الخير، وليس ثمة حرج في أن يبلغ المهر من الكثرة ما يبلغ، مادام له في مال الرجل سعة، واللّه سبحانه وتعالى يقول: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً} [20: النساء].
والمكروه في المهر أن يكون عن مماكسة ومساومة بين الرجل، وزوجه، أو بينه وبين أهلها أو يكون فيه إرهاق للرجل بما لا يحتمله ماله، ولا يتسع له كسبه.
ذلك أن المهر ليس إلا مدخلا إلى علاقة إنسانية، وطريقا إلى رابطة نفسية، ومن أجل هذا يجب أن يكون النظر إليه من وراء هذه العلاقة وتلك الرابطة.!
وفيما قصّ اللّه سبحانه وتعالى من تلك الصورة الكريمة التي زوّج بها نبىّ اللّه شعيب نبىّ اللّه موسى ابنته- في هذا ما يكشف عن أدب عال، وحكمة رائعة، ينبغى أن تكون فيها الأسوة في هذا المقام.. يقول اللّه تعالى على لسان شعيب مخاطبا موسى:
{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.
ويجيبه موسى بقوله: {ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ} [27- 28 القصص] وهكذا يقضى الأمر بينهما.. فلا مساومة ولا مماكسة!!


{وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5)}.
التفسير:
هذا نهى يتوازن مع الأمر السابق في قوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ}.
ولكلّ من الأمر والنهى موضعه، وكلاهما يحقق مصلحة عامة، ويؤدى حقّا، ويبطل باطلا.
وقد أشرنا من قبل إلى ما يحققه قوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ}.
وهنا ينهى اللّه سبحانه وتعالى عن أن ندع أموال السفهاء في أيدى السفهاء، إذ كان ذلك مدعاة لإفسادهم أولا، وتضييع مصالحهم ثانيا، ورسم مثل سيئة للعبث بالمال وإهدار المنافع المنوطة به في المجتمع، ثالثا.
لذلك ألزم اللّه سبحانه وتعالى المجتمع أن يتصدّى لهذه الظاهرة، وأن يقف لها في يقظة وحزم، فلا يدع لأيدى السفهاء ما في أيديهم من أموال يفسدونها، ويفسدون بها في الأرض.
وفى قوله تعالى: {أَمْوالِكُمْ} بإسناد المال إلى غير أهله، وهم أولو الأمر في المجتمع- في هذا ما يعطى المال وصفا غير الوصف الذي يكون له وهو في حوزة الأيدى التي تعبث به، وتستخف بشأنه.
فالمال- في حقيقته- أداة من أدوات النفع، الخاص، والعام معا.
هو قوة في يد صاحبه، يدفع به عن نفسه قسوة الحاجة، ولذعة الحرمان، ومطية يمتطيها إلى غايات كثيرة، يجنى منها الخير لنفسه، ولأهله.
ثم هو- أي المال- حركة عاملة في المجتمع، تصبّ فيها جهود أصحاب المال، وتتلاقى على طريقها وجوههم التي يقصدون إليها في تثمير المال وتنميته! وفى صيانة هذه القوة من عوامل الوهن والضعف، وفى تنظيم هذه الحركة وإقامتها على طريق مستقيم- في هذا صيانة للفرد، وحياطة له من أن تضطرب حياته وتتعثر خطواته، وفى هذا أيضا، صيانة للمجتمع، وحياطة لمواطن القوة منه، والحياة فيه.
فالمال في يد من لا يحسن التصرف فيه، ولا يرعى قدره وحرمته، هو في تلك الحال في يد غير أمينة عليه، وغير مستأهلة له.. ومن حق المجتمع أن ينزع هذا الحق منه، ويضعه في يد أمينة، تحافظ عليه وترعاه لحساب السفيه حتى يرشد، أو يموت، فيكون لورثته من بعده.
وفى قوله تعالى: {الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً} إشارة إلى ما للمال من شأن في الإسلام، وإلى النظرة التي ينظر بها إليه، وأنه قوام الحياة، وملاك عمرانها، ومبعث سلامة المجتمع وقوته! فالذين يتحدثون باسم الإسلام، مهوّنين من شأن المال، أو مستصغرين خطره، أو مستخفّين به وبأهله، إنما يفترون على الإسلام، وينطقون عنه زورا وبهتانا.
وقوله تعالى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً} هو دعوة إلى من بيده مال السفيه، أن يرزقه منه، ويقضى مطالبه، من سكن وطعام وكسوة، وغير ذلك مما يضمن له حياة مستقرة، في حدود ما يتسع له ما له، إذ أصبح ولا مال بين يديه.. فالعدل يقضى بأنه إذا حرم التصرف فيما يملك، ألا يحرم الانتفاع مما يملك! وفى قوله تعالى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيها} ما يشير إلى أن يكون الإنفاق عليهم من صميم مالهم، لا من حواشيه، بمعنى أن ينفق عليهم بالقدر الذي يسمح به ما لهم ويتسع له.
فكلمة {فيها} ظرف يحتوى المال كله، ويشتمل عليه.. ومن هذا المال كله يكون الإنفاق على السفيه.. ولهذا عدل القرآن عن التعبير بكلمة {منها} بدل فيها التي جاء عليها النظم القرآنى.. إذ أن من تفيد التبعيض بخلاف فى التي تفيد الإحاطة والشمول.
وقوله تعالى: {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً} أدب سماوىّ، يوصى به اللّه سبحانه الأوصياء الذين يقومون على أموال السفهاء، أن يلطفوا بهم، ويوادّوهم، ويلقوهم بالكلمة الطيبة، التي تطيب خواطرهم، وتنزع من صدورهم مرارة الألم الذي وجدوه في انتزاع ما في أيديهم من مال.
فالذى أخذ به هؤلاء السفهاء من انتزاع أموالهم من أيديهم، هو عدوان عليهم، اقتضته المصلحة بهم، وبالمجتمع.. وإنه لكى يطبّ الإسلام لهذا الداء، وحتى لا يعالج الداء بالداء، دعا إلى هذا الأدب الرفيع العالي، الذي تطيب به نفوس هؤلاء المرضى، وتسلّ به السخائم من قلوبهم، وذلك طب سماوى تتم به تلك العملية الجراحية في مشاعر الإنسان ووجدانه. دون ألم!


{وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6)}.
التفسير:
فى آية سابقة حذّر اللّه سبحانه وتعالى من أكل مال اليتامى، أو التهاون فيه، أو التضييع له، وفى هذه الآية، يدعو سبحانه القومة على اليتامى، من أولياء وأوصياء أن يضعوهم دائما تحت التجربة والاختبار، لسياسة أموالهم، وتدبيرها بأنفسهم، وذلك بأن يشركوهم معهم في بعض التصرفات، ويطلعوهم على طرق الأخذ والعطاء بين الناس، {حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ} أي العمر الذي يصلحون فيه للزواج، وهو سن النضج والبلوغ، واستبان رشدهم، وصلاحيتهم للاستقلال بالتصرف في أموالهم- دفعوها إليهم كاملة، وأشهدوا على ذلك أهل الثقة والأمانة.
وفى قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا} تحذير للأولياء والأوصياء على اليتامى، من أن ينزع بهم الطمع في مال اليتيم إلى استغلاله والمبادرة باجتناء ثمرته لهم، قبل أن يخرج من أيديهم إلى أصحابه اليتامى، عند رشدهم.
وقوله تعالى: {وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} دعوة للأغنياء من الأوصياء، أن يؤدوا هذا العمل حسبة للّه، ليؤجروا عليه، وألا يضيعوا هذا الأجر نظير مال هم في غنى عنه، إذ كان اللّه قد آتاهم من فضله ما يغنيهم عن غيرهم.
وليس هذا الأمر للأغنياء على سبيل الوجوب، بل هو للاستحباب والندب.. ولهذا جاء التعبير عنه بقوله تعالى: {فَلْيَسْتَعْفِفْ} ولو كان للإلزام والوجوب لكان النظم هكذا: فليعفّ.
لأن في الاستعفاف تردّد ومعاودة للفعل بعد الترك، والترك بعد الفعل.. وهكذا.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8